الاستصحاب -
· تعريفه:
§ التعريف اللغوي: الاستصحاب في اللغة الملازمة جاء في المعجم الوسيط، استصحب الشيء: لازمه.
§ تعريفه عند الأصوليين: جعل الأمر الذي ثبت في الزمان الماضي باقيا ومستمرا في الزمان المستقبل
حتى يثبت بالدليل تحوله وتغيره.
§ تعريف أخر: الحكم على الشيء بما كان ثابتا له أو منافيا عنه لعدم قيام الدليل على
خلافه.
· ومن الأمثلة على ذلك:
1. أن يقيم الدائن الأدلة على ثبوت
دينه فيلزم المدين أداؤه ولا يقبل منه دعوى الوفاء إلا بدليل من قبله لأن الأصل
بقاء الدين الذي ثبت بالدليل.
2. إذا تيقن شخص
من عدم الطهارة ثم شك أنه تطهر فلا تجوز له الصلاة لأن الأصل عدم الطهارة.
· أنواع الاستصحاب:
1. استصحاب الحكم الأصلي للأشياء
وهو الإباحة لذا قرر جمهور الأصوليين؛ أن الأصل في الأشياء التي لم يرد فيها حكم
معين هو الإباحة, وقد دل على ذلك قوله تعالى: (هُوَ
الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا), وقوله تعالى: (وَسَخَّرَ
لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ), فقد دلت
هاتان الآيتان على إباحة ما في السموات والأرض وجواز الانتفاع به.
2. استصحاب العدم الأصلي أي البراءة الأصلي: الأصل براءة
الذمة من التكاليف الشرعية قبل ورود النصوص ولو ادعى شخص على شخص أخر دينا ولم يقم
الدائن الدليل فإنه ذمة المدعي عليه تكون بريئة من هذا الدين, ويشهد على ذلك قول
النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي واليمين
على من أنكر), وهذا مجمع عليه.
3. استصحاب على ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه: فإذا ثبت أن شخصا تزوج فتاة ثم ادعت هذه الفتاة أنها طلقت فإن دعواها لا
تقبل ما لم تقدم دليل وتؤيده بالبينة وذلك استصحاب بالحال الأصلي وهو قيام الزوجية
الثابت شرعا وهذا مجمع عليه.
4. استصحاب النص
إلى أن يرد ناسخ له, وكذلك استصحاب عموم النص إلى أن يرد مخصص له وهذا النوع لا
خلاف فيه.
5. استصحاب الحكم الثابت بالإجماع
في محل الخلاف بين العلماء وذلك بأن يتفق المجتهدون على حكم في حالة ثم تتغير صفة
المجمع عليه فيختلفون في حكمه. مثال ذلك: أن الفقهاء أجمعوا على صحة الصلاة
بالتيمم عند فقد الماء, فإذا أتم المتيمم صلاته قبل وجود الماء صحت صلاته إجماعا,
أما إذا رأى الماء أثناء صلاته فقد اختلف العلماء في صحة هذه الصلاة, فذهب مالك
والشافعي إلى صحتها لأن الإجماع انعقد على صحتها قبل رؤية الماء, فيستصحب حال
الإجماع إلى أن يقوم الدليل على أن رؤية الماء مبطلة للصلاة, وذهب أبو حنيفة وأحمد
إلى بطلان الصلاة لأن الإجماع قد انعقد في حالة عدم وجود الماء لا في حالة وجوده,
فعلى من يدعي عدم البطلان الدليل, وهذا النوع محل للخلاف.
6. استصحاب الحال في الماضي: وهو
ما يسمى بالاستصحاب المقلوب وهو ثبوت أمر في الزمان الماضي استصحابا لثبوته في
الزمان الحالي حتى يثبت خلافه, ومثاله: الوقف الذي لا يعرف شروطه أو أصل
مصرفه, فإذا كان يصرف في الوقت الحاضر على أناس معينين بشكل معين فيجب استصحاب هذه
الحالة حتى يقوم الدليل على خلافها.
· حجية الاستصحاب:
§ المثبتون للاستصحاب:
- قال الخوارزمي: (وهو أخر مدار الفتوى فإن المفتي إذا سئل عن حادثة يطلب
حكمها في الكتاب ثم في السنة ثم في الإجماع ثم في القياس, فإن لم يجده فيأخذ حكمها
من استصحاب الحال).
- وقال المالكية والحنابلة وأكثر
الشافعية والظاهرية أنه حجة سواء في الإثبات أو في النفي.
- وحكاه ابن الحاجب عن الأكثرين.
§ المنفون للاستصحاب:
- إليه ذهب أكثر الحنفية
والمتكلمين كأبي الحسين البصري.
§ قول ثالث: أنه حجة لإبقاء ما كان ولا يصلح حجة لإثبات أمر لم
يكن، قاله أكثر المتأخرين من الحنفية.
§ قول رابع: أنه حجة على المجتهد فيما بينه وبين ربه ولا يكون حجة
على الخصم عند المناظرة.
§ قول خامس: أنه يجوز به الترجيح لا غير، نقله الأستاذ أبو إسحاق
عن الشافعي وقال إنه الذي يصح عنه لا أنه يحتج به.
· والنوع
الخامس.. هو النوع الذي اختلف فيه
الفقهاء والعلماء, أما معظم أنواع الاستصحاب فهي مجمع عليها ولا خلاف فيها.
· وهذا النوع
الخامس ذهب الأكثرون منهم القاضي الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ والغزالي
إلى أنه ليس بحجة.
· قال الأستاذ
أبو منصور وهو قول الجمهور أهل الحق من الطوائف.
· وقال
الماوردي والروياني في كتاب القضاء إنه قول الشافعي وجمهور العلماء.
· وذهب أبو نور
وداود الظاهري إلى الاحتجاج به ونقله ابن السمعاني عن المزني قال واختاره الأموي
وابن الحاجب.
-
قال سليم الرازي في التقريب إنه الذي ذهب إليه شيوخ
أصحابنا.
· أدلة المثبتين للاستصحاب:
1.أن الفقهاء أجمعوا على اعتبار الاستصحاب حجة في كثير من الفروع الفقهية فقد
قالوا مثلا ببقاء الوضوء والزوجية والحدث مع الشك في رفعها.
2.إن استصحاب الحال الماضي في الوقت الحاضر أمر يدل عليه العقل وقد اعتمده
الكثير من الناس في تصرفاتهم, فمن سافر له قريب إلى بلد بعيد يقوم بمراسلته وينتظر
رجوعه استصحابا لحياته قبل سفره.
3.إن ما ثبت في الزمن الماضي من وجود أمر أو عدمه ولم يظهر زواله على سبيل
القطع أو الظن فإنه يحصل الظن ببقائه والعمل بالظن واجب فيجب العمل بالاستصحاب.
4.لو لم يكن الاستصحاب حجة لما بقيت الأحكام الشرعية بالدليل الشرعي من لدن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا فبقاؤها باستصحاب الحال.
· أدلة النافيين للاستصحاب:
1.الثبوت في الزمن الماضي يحتاج إلى دليل فكذلك في الزمان الحاضر لأن الدليل
قد يوجد وقد لا يوجد.
2.إن بقاء الأحكام وامتدادها ليس بالاستصحاب وإنما لعدم وجود ناسخ لها.
· أهم القواعد المبنية على الاستصحاب:
1.الأصل في الأشياء الإباحة: فكل عقد أو تصرف لم يجرمه الشارع أو يحكم ببطلانه فهو صحيح لا حرج فيه على
فاعله.
2.الأصل براءة الذمة: فلا يجوز إثبات شيء في ذمة شخص أو نسبته إلى شخص بلا دليل, وبناء على ذلك
فلا تكاليف شرعية إلا بأدلة ولا يكون الشخص مدينا أو مسئولا عن جريمة بلا دليل.
3.الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره: فالمفقود قبل فقده حيا فيبقى هذا الأصل حتى يقوم الدليل على وفاته وبناءا
على ذلك فلا يورث ماله باتفاق ويوقف له نصيبه في تركه مورثه الذي يموت أثناء فقده
فإن ظهر بعد ذلك أنه كان حيا وقت وفاة مورثه أخذ ما حجز له وإن ظهر أنه كان ميتا
لم يستحق ما حجز له ووزع على الورثة الآخرين.
4.اليقين لا يزول بالشك: فمن تيقن أنه متوضئ وشك في أنه أحدث حكم ببقاء وضوئه, ومن تيقن أنه غير
متوضئ وشك أنه توضأ حكم بعدم وضوئه.